امواج فكر :
إن الفكر جزء طبيعي جداً من وجودنا وحياتنا، لأننا وحدة متكاملة متناغمة، جسد، وفكر، وروح... ولا ضرورة لتحطيمه أو تعطيله وإلا سنصاب بالجنون والهذيان...
كيف يمكن للشجرة أن تتنكر لأوراقها وهي منها!!
كيف يمكن للسماء أن تتبرأ من غيومها، وللبحر أن يتخلى عن أمواجه؟..
لا يمكن ذلك... لهذا فالأمر الأول هو عدم محاولة إيقاف التفكير، أما الثاني فهو أن نستمتع بالأفكار، نرحب بها، نلعب، ونرقص، ونقفز معها موجة إثر موجة من هنا لهناك، وسنصبح بذلك أكثر وعياً وانتباهاً لها.. ولكن بشكل غير مباشر... دون جهد أو عناء...
لكنك إذا حاولتَ أن تكون واعياً بإرادتك فإن الفكر سيُلهيك ويشغلك.. فتغضب وتنفعل وتشعر بأنه فكر قبيح سخيف.. يلغو ويثرثر باستمرار... أنت تنشد الصمت والسكينة وهو لا يتيح لك ذلك... مما يجعلك منفصلاً.. منقسماً.. مشتتاً.. أنت وفكرك اثنين لا واحد، ويبدأ مسلسل الصراع والخلاف والنزاع...
وما هذا إلا نوع من أنواع الانتحار... لأنه سيكون لطاقتك محطماً... ولسعادتك مدمراً.... ونحن لا نملك كماً كبيراً من الطاقة حتى نهدرها هباءً منثوراً في التقاتل والتشاجر مع أنفسنا، بل يمكننا استخدام تلك الطاقة ذاتها في الفرح والمرح، في الابتهاج والاحتفال مع الطبيعة والوجود، في البناء والعمار، بدلاً من الخراب والدمار...
لنستمتع بأفكارنا... ولنراقب تلك الفواصل الدقيقة بينها، ولنلاحظ التغيرات والتحولات التي تطرأ عليها، وكيف تقود فكرة ما لأخرى، وكيف تتداخل هذه الأفكار وتتشابك مع بعضها بعضاً، كلوحة متداخلة الخطوط والألوان.. إذا تمعّنتَ فيها.. لن تجد أي ترابط فيما بينها إنها معجزة حقاً!!!..
العب.. وامرح مع أفكارك.. اجعلها مجرد لعبة تلعبها باستمتاع وابتهاج... وستندهش... ففي بعض الأحيان عندما تحط الرحال عند موقف جميل، ستسمع فجأة نباح كلب يقطع عليك سيل الأفكار ويجعلها تتوارى كلها وتتلاشى في دائرة النسيان... سيواصل الكلب نباحه... وستستمر أنت بالإنصات والإصغاء دون أية أفكار أو آراء... ستظهر لك فواصل جميلة مشرقة صافية.. تأتي وتذهب من تلقاء نفسها، دون أن تُحدث شيئاً ولكن ابتداءً من تلك الفواصل ستكون شاهداً فحسب...
ستزورك الأفكار من جديد، استمتع بها، واسبح معها موجة إثر موجةٍ، بكل تناغم وانسجام، كن شاهداً عليها، أنت السماء، أنت الفضاء، والأفكار هي الغيوم... لا تبالي بأمرها، ولا تتعلق بها، بل دعها تعبر هذا الممر بسلام، راقبها وهي قادمة، ذاهبة، صاخبة، عاتية، دون أن تترك أي أثر على السماء الزرقاء...
وهكذا... بشكل غير مباشر، ستصبح شيئاً فشيئاً أكثر وعياً لما خلف الأفكار... للسماء الداخلية اللامتناهية اللامحدودة المخفية وراء الستار...
الاستمتاع بالأفكار، ومراقبتها وهي تتحول وتتغير أمر ساحر خلاب، لا يضاهيه جمالاً وروعةً إلا رؤية المحيط بأمواجه المتلاطمة المتداخلة... وأنت هو المحيط... أنت الروح الساكنة الخالدة الصافية... والأفكار ما هي إلا أمواج ذلك المحيط، فابتهج بها...